القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة الحجرات
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) (الحجرات) 

يَقُول تَعَالَى آمِرًا بِالْإِصْلَاحِ بَيْن الْفِئَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ الِاقْتِتَال , بِهَذَا اِسْتَدَلَّ الْبُخَارِيّ وَغَيْره عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُج عَنْ الْإِيمَان بِالْمَعْصِيَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ لَا كَمَا يَقُولهُ الْخَوَارِج وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَة وَنَحْوهمْ وَهَكَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا وَمَعَهُ عَلَى الْمِنْبَر الْحَسَن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهِ مَرَّة وَإِلَى النَّاس أُخْرَى وَيَقُول " إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِح بِهِ بَيْن فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَحَ اللَّه تَعَالَى بِهِ بَيْن أَهْل الشَّام وَأَهْل الْعِرَاق بَعْد الْحُرُوب الطَّوِيلَة وَالْوَاقِعَات الْمَهُولَة وَقَوْله تَعَالَى" فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْر اللَّه " أَيْ حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَمْر اللَّه وَرَسُوله وَتَسْمَع لِلْحَقِّ وَتُطِيعهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا " قُلْت يَا رَسُول اللَّه هَذَا نَصَرْته مَظْلُومًا فَكَيْف أَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَمْنَعهُ مِنْ الظُّلْم فَذَاكَ نَصْرُك إِيَّاهُ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَارِم حَدَّثَنَا مُعْتَمِر قَالَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَتَيْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ وَهِيَ أَرْض سَبِخَة فَلَمَّا اِنْطَلَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ قَالَ : إِلَيْك عَنِّي فَوَاَللَّهِ لَقَدْ آذَانِي رِيحُ حِمَارِك فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَاَللَّه لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْك قَالَ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّه رِجَال مِنْ قَوْمه فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه قَالَ فَكَانَ بَيْنهمْ ضَرْب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَال فَبَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي الصُّلْح عَنْ مُسَدَّد وَمُسْلِم فِي الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى كِلَاهُمَا عَنْ الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ بِهِ نَحْوه , وَذَكَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ الْأَوْس وَالْخَزْرَج كَانَ بَيْنهمَا قِتَالٌ بِالسَّعَفِ وَالنِّعَال فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة فَأَمَرَ بِالصُّلْحِ بَيْنهمَا , وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ عِمْرَان كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَة تُدْعَى أُمَّ زَيْد , وَإِنَّ الْمَرْأَة أَرَادَتْ أَنْ تَزُور أَهْلهَا فَحَبَسَهَا زَوْجُهَا وَجَعَلَهَا فِي عَلِيَّةٍ لَهُ لَا يَدْخُل عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّ الْمَرْأَة بَعَثَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَجَاءَ قَوْمهَا وَأَنْزَلُوهَا لِيَنْطَلِقُوا بِهَا , وَإِنَّ الرَّجُل كَانَ قَدْ خَرَجَ فَاسْتَعَانَ أَهْل الرَّجُل فَجَاءَ بَنُو عَمِّهِ لِيَحُولُوا بَيْن الْمَرْأَة وَبَيْن أَهْلِهَا فَتَدَافَعُوا وَاجْتَلَدُوا بِالنِّعَالِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْلَحَ بَيْنهمْ وَفَاءُوا إِلَى أَمْر اللَّه تَعَالَى وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ" فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " أَيْ اِعْدِلُوا بَيْنهمَا فِيمَا كَانَ أَصَابَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْر الْمُقَدَّمِيّ حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِر مِنْ لُؤْلُؤ بَيْن يَدَيْ الرَّحْمَن عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى عَنْ عَبْد الْأَعْلَى بِهِ , وَهَذَا إِسْنَاده جَيِّد قَوِيّ رِجَاله عَلَى شَرْط الصَّحِيح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَمْرو بْن أَوْس عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمُقْسِطُونَ عِنْد اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة عَلَى مَنَابِر مِنْ نُور عَلَى يَمِين الْعَرْش الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمهمْ وَأَهَالِيهمْ وَمَا وُلُّوا " وَرَوَاهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ بِهِ .
كتب عشوائيه
- مقالات لكبار كتاب العربية في العصر الحديثمقالات لكبار كتاب العربية في العصر الحديث : هذه المجموعة تشتمل على أبواب متفرقة، وموضوعات متنوعة؛ في العلم والدعوة، وفي الإصلاح، وبيان أصول السَّعادة، وفي الأخلاق والتَّربية، وفي السِّياسة والاجتماع، وفي قضايا الشَّباب والمرأة، وفي أبواب الشِّعر والأدب، وفي العربيَّة وطرق التَّرقِّي في الكتابة، كما أنها تشتمل على مقالات في السِّيرة النبويَّة، وبيان محاسن الإسلام، ودحض المطاعن التي تثار حوله. وسيجد القارئ فيها جِدَّة الطَّرح، وعمقه، وقوَّته، وطرافةَ بعض الموضوعات، ونُدرةَ طرقها، وسينتقل من خلالها من روضة أنيقة إلى روضة أخرى، وسيجد الأساليب الرَّاقية المتنوِّعة؛ إذ بعضها يميل إلى الجزالة والشَّماسة، وبعضها يجنح إلى السُّهولة والسَّلاسة، وهكذا.
المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد
الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172259
- أمطر الخير مطراأمطر الخير مطرًا: قال المصنف - حفظه الله -: «لا شك أن المسلم الذي رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً يسعى إلى التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال المشروعة في كل وقت وحين، فيمطر الخير مطرًا، والله - عز وجل - هو المنبت. يحتسب الأجر والمثوبة في كل حركة وسكنة، فالعمر قصير، والأيام محدودة، والأنفاس معدودة، والآجال مكتوبة. أدعو الله - عز وجل -، أن تكون حبات الخير متتالية؛ لتجري منها أودية الأجر والمثوبة، لتصب في روضات الجنات برحمة الله وعفوه، ومنٍّه وكرمه».
المؤلف : عبد الملك القاسم
الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/229611
- موقف الإسلام من الإرهاب وجهود المملكة العربية السعودية في معالجتهموقف الإسلام من الإرهاب وجهود المملكة العربية السعودية في معالجته: إن مسألة الإرهاب من المسائل التي أصبحت تشغل مساحة كبيرة من الاهتمامات السياسية والإعلامية والأمنية، وتشد الكثير من الباحثين والمفكرين إلى رصدها ومتابعتها بالدراسة والتحقيق. وقد جاء هذا البحث ليُسهِم في تقديم رؤية في هذا الموضوع، وتحليل جوانبه، تتناول مفهوم الإرهاب وجذوره التاريخية وواقعه المعاصر، وتقويمه - فقهًا وتطبيقًا - من زاوية النظر الإسلامية التي يُحدِّدها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المؤلف : عبد الله بن عبد المحسن التركي
الناشر : موقع رابطة العالم الإسلامي http://www.themwl.org
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/330474
- أعمال القلوب [ الرجاء ]الرجاء حاد يحدو بالراجي في سيره إلى الله; ويطيّب له المسير; ويحثه عليه; ويبعثه على ملازمته; فلولا الرجاء لما سار أحد: فإن الخوف وحده لا يحرك العبد; وإنما يحركه الحب; ويزعجه الخوف; ويحدوه الرجاء.
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/340021
- صلاة المؤمن في ضوء الكتاب والسنةصلاة المؤمن في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في الصلاة: قرة عين النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: «حبب إليَّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»، بيّنتُ فيها بإيجاز: كل ما يحتاجه المؤمن في صلاته، وقرنت ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة .. ».
المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/58445