القرآن الكريم للجميع » تفسير ابن كثر » سورة هود
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) (هود) 

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ حَال الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى فِطْرَة اللَّه تَعَالَى الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ مِنْ الِاعْتِرَاف لَهُ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا " الْآيَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُولَد الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاء ؟ " الْحَدِيث وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عِيَاض بْن حَمَّاد عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَقُول اللَّه تَعَالَى إِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء فَجَاءَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا " وَفِي الْمُسْنَد وَالسُّنَن" كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى هَذِهِ الْمِلَّة حَتَّى يُعْرِب عَنْهُ لِسَانه " الْحَدِيث فَالْمُؤْمِن بَاقٍ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَة وَقَوْله" وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ " أَيْ وَجَاءَهُ شَاهِد مِنْ اللَّه وَهُوَ مَا أَوْحَاهُ إِلَى الْأَنْبِيَاء مِنْ الشَّرَائِع الْمُطَهَّرَة الْمُكَمَّلَة الْمُعَظَّمَة الْمُخْتَتَمَة بِشَرِيعَةِ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ لِهَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالسُّدِّيّ وَغَيْر وَاحِد فِي قَوْله تَعَالَى " وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ " أَنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن وَقَتَادَة هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلَاهُمَا قَرِيب فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْ جِبْرِيل وَمُحَمَّد صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمَا بَلَّغَ رِسَالَة اللَّه تَعَالَى فَجِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد وَمُحَمَّد إِلَى الْأُمَّة وَقِيلَ : هُوَ عَلِيّ وَهُوَ ضَعِيف لَا يَثْبُت لَهُ قَائِل , وَالْأَوَّل هُوَ الْحَقّ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِن عِنْده مِنْ الْفِطْرَة وَمَا يَشْهَد مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة وَالتَّفَاصِيل تُؤْخَذ مِنْ الشَّرِيعَة وَالْفِطْرَة تُصَدِّقهَا وَتُؤْمِن بِهَا لِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ" وَهُوَ الْقُرْآن بَلَّغَهُ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَّغَهُ النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمَّته ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى " أَيْ وَمِنْ قَبْل الْقُرْآن كِتَاب مُوسَى وَهُوَ التَّوْرَاة" إِمَامًا وَرَحْمَة " أَيْ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى إِلَى تِلْكَ الْأُمَّة إِمَامًا لَهُمْ وَقُدْوَة يَقْتَدُونَ بِهَا وَرَحْمَة مِنْ اللَّه بِهِمْ فَمَنْ آمَنَ بِهَا حَقّ الْإِيمَان قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ " ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " أَيْ وَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الْأَرْض مُشْرِكهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ وَمِنْ سَائِر طَوَائِف بَنِي آدَم عَلَى اِخْتِلَاف أَلْوَانهمْ وَأَشْكَالهمْ وَأَجْنَاسهمْ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن كَمَا قَالَ تَعَالَى " لِأُنْذَركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " وَقَالَ تَعَالَى " قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا " وَقَالَ تَعَالَى " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار " وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه أَوْ قَالَ تَصْدِيقه فِي الْقُرْآن فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار " فَجَعَلْت أَقُول أَيْنَ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه ؟ وَقَالَ وَقَلَّمَا سَمِعْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقًا فِي الْقُرْآن حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَة " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده" قَالَ مِنْ الْمِلَل كُلّهَا وَقَوْله " فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك " الْآيَة أَيْ الْقُرْآن حَقّ مِنْ اللَّه لَا مِرْيَة وَلَا شَكَّ فِيهِ قَالَ تَعَالَى " الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " وَقَوْله " وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
كتب عشوائيه
- مصطلحات شرعية دعوية باللغة الإنجليزيةكتاب كبير الفائدة على الرغم من صغره يحوي بعضًا من المصطلحات الشرعية الدعوية باللغة الإنجليزية. لا شك أن العلماء والدعاة إلى الإسلام في مسيس الحاجة إلى أمثال تلك الكتب لتوصيل رسالة الإسلام الصحيحة لكل من يتكلمون الإنجليزية.
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/318420
- هل كان محمد صلى الله عليه وسلم رحيمًا؟بحثٌ مُقدَّم في مسابقة مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة، وقد قسمه الباحث إلى أربعة فصول، وهي: - الفصل الأول: مدخل. - الفصل الثاني: مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة. - الفصل الثالث: تعريف بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. - الفصل الرابع: مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة. وقد جعل الفصول الثلاثة الأولى بمثابة التقدمة للفصل الأخير، ولم يجعل بحثه بأسلوب سردي؛ بل كان قائمًا على الأسلوب الحواري، لما فيه من جذب القراء، وهو أيسر في الفهم، وفيه أيضًا معرفة طريقة الحوار مع غير المسلمين لإيصال الأفكار الإسلامية الصحيحة ودفع الأفكار الأخرى المُشوَّهة عن أذهانهم.
المؤلف : Mohammed Hassam Uddin Al-Khateeb
المدقق/المراجع : Abu Adham Osama Omara
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/340830
- ترجمة معاني القرآن الكريم (لغير المسلمين)ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، وهي الأنسب لغير المسلمين، إذ تتميز بالسهولة والوضوح في الألفاظ والمعاني.
الناشر : http://www.islambasics.com - Islam Basics Website - Sahih International
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/78592
- العقيدة الطحاويةالعقيدة الطحاوية: متن مختصر صنفه العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه.
المؤلف : Abu Jafar at-Tahawi
المترجم : Suhaib Hasan AbdulGhaffar
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/52960
- البداية والنهايةيبين المؤلف في هذا الكتاب كيف بدأ الله الخلق و كيف سينتهي هذا العالم مع بيانه لإثبات وجود الله واضطراب الكفار بين نظريات خاطئة ومخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم.
المؤلف : AbdulRahman Bin Abdulkarim Al-Sheha
الناشر : http://www.islamland.com - Islam Land Website
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/261474